علماء اللغات واللسانيات يؤكدون أن أغلب لغات العالم ستنقرض قريبا بفعل عاصفة العولمة وزلازلها الثقافية والاقتصادية والسياسية والتقنية والتجارية، وأن عددا قليلا من تلك اللغات سيجتاز الخطر ويصمد. فأي اللغات القادرة يا ترى على امتصاص الصدمات العولمية وتخطيها؟، وأيها أقدر بمحتواها العلمي والفكري والثقافي والإبداعي على المنافسة؟ وأيها أقدر برسم حرفها فنياً على ملاءمة التقنية وروادها وأن تتقدم أكثر باتجاه العالمية في عصر العولمة، عصرٌ يكون فيه أمام أي لغة طريقان لا ثالث لهما، إما طريق العالمية أو الانقراض.
يتنبأ الأديب الإسباني حائز جائزة نوبل للأدب 1989 كاميليو جوزي سيلا، بأن 4 لغات فقط هي القادرة على الحضور العالمي في المستقبل: الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية.
واللغات الأربع تملك كل واحدة منها مقومات تشترك بها مع اللغات الأخرى وتنفرد بها لوحدها. فما هي التحديات والفرص أمام اللغة العربية. يجادل كثيرون بأن هناك تحديات جمة تواجه العربية في عقر دارها ومن أهلها، ناهيك عما تواجهه العربية في البلدان غير الناطقة بها. فالتحديات هي: تسيد التعليم بالإنجليزية والفرنسية في التعليم العام والتعليم العالي في أغلب الدول العربية دون دراسة ودون خطة ودون سياسة موضوعة من قبل المتخصصين والخبراء في هذا المجال، كما أن التحدي الذي لا يقل خطورة هو انخفاض الوعي العربي بقيمة وحيوية وأهمية اللغة العربية هويةً ورابطةً ثقافية قوميةً للشعوب والدول العربية وانتماءً روحياً بين الشعوب والدول الإسلامية، بالإضافة إلى عدم نضج تدريس العربية، أضف إلى ذلك عدم توظيف العربية اقتصاديا من قبل الحكومات والبنوك والقطاع الخاص العربي لاستثمار نقاط قوة اللغة العربية تجاريا واقتصاديا وتقنيا ودينيا.
إننا نعيش اليوم عصر الاقتصاد والتحولات الاقتصادية هنا في المملكة وفي عدد من الدول وهذا هو أحد مصادر تفاؤلنا، فقد يحقق عصر الاقتصاد ما عجز عن تحقيقه عصر السياسة. من هنا كانت التوقعات بأن ينعكس ذلك على استثمار حقيقي للغة العربية داخل الوطن العربي وخارجه.
لعل أولى ثمرات رؤية المملكة 2030 ما أفضت عنه زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين والاتفاقات التي تم توقيعها ومنها إعلان جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي والتي تهدف لترويج اللغة العربية والآداب والفنون العربية في الصين، فهذا هو التوجه اللغوي الاقتصادي المأمول. فحسب ظني، لأول مرة تحضر اللغة العربية اقتصاديا وثقافيا في محفل سياسي عربي.
اللغة العربية بذاتها تعد موردا اقتصاديا هائلا سواء من خلال برامج التعليم عن بعد في الجامعات والمراكز التعليمية العربية أو سوق اختبارات العربية لغير الناطقين بها، أو من خلال اشتراط إجادة العربية على القوى العاملة الأفريقية والآسيوية التي تطلب العمل في البلاد العربية، فضلا عن سوق العربية في البرمجيات والتقنية الحاسوبية والشبكات التلفزيونية، ناهيك عن الترجمة من العربية ولها.
في وطننا العربي، عدد من المؤسسات المعنية باللغة العربية سواء على مستوى وطني أو على مستوى قومي، بدءا برأس الهرم العربي جامعة الدول العربية ثم منظمة العلوم والتربية والثقافة مرورا بالمجامع اللغوية والمراكز المعنية باللغة العربية وانتهاءً بأقسام اللغة العربية في الجامعات.
لكنها تعاني أمراضا شتى من بيروقراطية وتشتت وفقر حاد في التنسيق والتعاون فيما بينها، فضلا عن معاناتها المالية في حالات كثيرة، ناهيك عن مشكلة أغلب هذه المؤسسات في تفكيرها الضيق لمفهوم اللغة، وفقر أغلب هذه المؤسسات للتفكير خارج الصندوق كي تتعاطى مع اللغة العربية ككائن اقتصادي واجتماعي وثقافي وتقني عالمي حي، في ضوء العلاقات الدولية وتحديات العولمة.
إنني أقترح من هنا وضع سياسة لغوية عربية تهتم بنشر اللغة العربية في الدول غير الناطقة بها، وتعزز اللغة العربية بين أهلها في الوطن العربي، تحت إشراف بيت العرب جامعة الدول العربية أو منظمة العلوم والتربية والثقافة، وإذا تعذر القيام بهذا العمل العربي المشترك لأسباب سياسية أو غيرها، فإنني أرى أن تقوم بهذه المهمة وزارة الثقافة لأن اللغة هي عماد كل ثقافة وأساسها وبدونها لا توجد ثقافة، على أن يتم إسناد تنفيذ البرامج والمشروعات اللغوية للقطاع الخاص بغية تحقيق هذه الأهداف بعيدا عن البيروقراطية الحكومية.
لضمان نجاح سياسات اللغة العربية الاقتصادية، أقترح إطلاق مؤشر إلكتروني لقياس انتشار ونشر اللغة العربية في مختلف دول العالم سواء كان الانتشار نتيجة لأسباب تجارية أو دينية أو سياحية أو تقنية. فالأرقام والإحصاءات في هذه الحالة ستكون غذاءً مستمرا و مزدوجا للانتشار والاستثمار في اللغة العربية وعلومها في البلاد غير الناطقة بها.
ليس هناك عمل يبدأ من الصفر، فلا بد من الاستفادة القصوى مما تحقق حتى الآن من دراسات وتجارب وإصدارات عن اللغة العربية قامت بها عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية والحكومية في عدد من الدول العربية، ويأتي في مقدمها -من وجهة نظري- مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية في الرياض الذي فاق بإصداراته ودراساته وتجاربه العالمية إصدارات كل المؤسسات المعنية باللغة العربية في الوطن العربي كمياً ونوعياً. وفي رأيي أن هذا المركز هو أفضل حاضنة لمشروع عولمة العربية، بما يتطلبه ذلك من دراسات ورسم سياسات لغوية ووضع مؤشر انتشار اللغة العربية لما يملكه هذا المركز من رصيد في هذا المجال ولما له من علاقات على امتداد الوطن العربي من اللغويين وخبراء اللسانيات، وتحرير هذا المركز من ارتباطه بوزارة التعليم وإلحاقه بوزارة الثقافة.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
يتنبأ الأديب الإسباني حائز جائزة نوبل للأدب 1989 كاميليو جوزي سيلا، بأن 4 لغات فقط هي القادرة على الحضور العالمي في المستقبل: الإنجليزية والإسبانية والعربية والصينية.
واللغات الأربع تملك كل واحدة منها مقومات تشترك بها مع اللغات الأخرى وتنفرد بها لوحدها. فما هي التحديات والفرص أمام اللغة العربية. يجادل كثيرون بأن هناك تحديات جمة تواجه العربية في عقر دارها ومن أهلها، ناهيك عما تواجهه العربية في البلدان غير الناطقة بها. فالتحديات هي: تسيد التعليم بالإنجليزية والفرنسية في التعليم العام والتعليم العالي في أغلب الدول العربية دون دراسة ودون خطة ودون سياسة موضوعة من قبل المتخصصين والخبراء في هذا المجال، كما أن التحدي الذي لا يقل خطورة هو انخفاض الوعي العربي بقيمة وحيوية وأهمية اللغة العربية هويةً ورابطةً ثقافية قوميةً للشعوب والدول العربية وانتماءً روحياً بين الشعوب والدول الإسلامية، بالإضافة إلى عدم نضج تدريس العربية، أضف إلى ذلك عدم توظيف العربية اقتصاديا من قبل الحكومات والبنوك والقطاع الخاص العربي لاستثمار نقاط قوة اللغة العربية تجاريا واقتصاديا وتقنيا ودينيا.
إننا نعيش اليوم عصر الاقتصاد والتحولات الاقتصادية هنا في المملكة وفي عدد من الدول وهذا هو أحد مصادر تفاؤلنا، فقد يحقق عصر الاقتصاد ما عجز عن تحقيقه عصر السياسة. من هنا كانت التوقعات بأن ينعكس ذلك على استثمار حقيقي للغة العربية داخل الوطن العربي وخارجه.
لعل أولى ثمرات رؤية المملكة 2030 ما أفضت عنه زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين والاتفاقات التي تم توقيعها ومنها إعلان جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي والتي تهدف لترويج اللغة العربية والآداب والفنون العربية في الصين، فهذا هو التوجه اللغوي الاقتصادي المأمول. فحسب ظني، لأول مرة تحضر اللغة العربية اقتصاديا وثقافيا في محفل سياسي عربي.
اللغة العربية بذاتها تعد موردا اقتصاديا هائلا سواء من خلال برامج التعليم عن بعد في الجامعات والمراكز التعليمية العربية أو سوق اختبارات العربية لغير الناطقين بها، أو من خلال اشتراط إجادة العربية على القوى العاملة الأفريقية والآسيوية التي تطلب العمل في البلاد العربية، فضلا عن سوق العربية في البرمجيات والتقنية الحاسوبية والشبكات التلفزيونية، ناهيك عن الترجمة من العربية ولها.
في وطننا العربي، عدد من المؤسسات المعنية باللغة العربية سواء على مستوى وطني أو على مستوى قومي، بدءا برأس الهرم العربي جامعة الدول العربية ثم منظمة العلوم والتربية والثقافة مرورا بالمجامع اللغوية والمراكز المعنية باللغة العربية وانتهاءً بأقسام اللغة العربية في الجامعات.
لكنها تعاني أمراضا شتى من بيروقراطية وتشتت وفقر حاد في التنسيق والتعاون فيما بينها، فضلا عن معاناتها المالية في حالات كثيرة، ناهيك عن مشكلة أغلب هذه المؤسسات في تفكيرها الضيق لمفهوم اللغة، وفقر أغلب هذه المؤسسات للتفكير خارج الصندوق كي تتعاطى مع اللغة العربية ككائن اقتصادي واجتماعي وثقافي وتقني عالمي حي، في ضوء العلاقات الدولية وتحديات العولمة.
إنني أقترح من هنا وضع سياسة لغوية عربية تهتم بنشر اللغة العربية في الدول غير الناطقة بها، وتعزز اللغة العربية بين أهلها في الوطن العربي، تحت إشراف بيت العرب جامعة الدول العربية أو منظمة العلوم والتربية والثقافة، وإذا تعذر القيام بهذا العمل العربي المشترك لأسباب سياسية أو غيرها، فإنني أرى أن تقوم بهذه المهمة وزارة الثقافة لأن اللغة هي عماد كل ثقافة وأساسها وبدونها لا توجد ثقافة، على أن يتم إسناد تنفيذ البرامج والمشروعات اللغوية للقطاع الخاص بغية تحقيق هذه الأهداف بعيدا عن البيروقراطية الحكومية.
لضمان نجاح سياسات اللغة العربية الاقتصادية، أقترح إطلاق مؤشر إلكتروني لقياس انتشار ونشر اللغة العربية في مختلف دول العالم سواء كان الانتشار نتيجة لأسباب تجارية أو دينية أو سياحية أو تقنية. فالأرقام والإحصاءات في هذه الحالة ستكون غذاءً مستمرا و مزدوجا للانتشار والاستثمار في اللغة العربية وعلومها في البلاد غير الناطقة بها.
ليس هناك عمل يبدأ من الصفر، فلا بد من الاستفادة القصوى مما تحقق حتى الآن من دراسات وتجارب وإصدارات عن اللغة العربية قامت بها عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية والحكومية في عدد من الدول العربية، ويأتي في مقدمها -من وجهة نظري- مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية في الرياض الذي فاق بإصداراته ودراساته وتجاربه العالمية إصدارات كل المؤسسات المعنية باللغة العربية في الوطن العربي كمياً ونوعياً. وفي رأيي أن هذا المركز هو أفضل حاضنة لمشروع عولمة العربية، بما يتطلبه ذلك من دراسات ورسم سياسات لغوية ووضع مؤشر انتشار اللغة العربية لما يملكه هذا المركز من رصيد في هذا المجال ولما له من علاقات على امتداد الوطن العربي من اللغويين وخبراء اللسانيات، وتحرير هذا المركز من ارتباطه بوزارة التعليم وإلحاقه بوزارة الثقافة.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org